فايزة سويلم الكلبانية
في عالم اليوم، لم يعد الأمن السياسي وحده كافيًا لضمان استقرار الدولة وازدهارها، بل أصبح الأمن الاقتصادي ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة؛ فالاقتصاد القوي يوفر فرص عمل، ويحفز الاستثمار، ويخلق بيئة مستقرة تدعم المواطن وتضمن استمرار التقدم الوطني، فاقتصاد مستقر يعني مجتمعًا مستقرًا، وهذا يتيح للحكومة تنفيذ رؤاها التنموية بثقة، ويعزز قدرة سلطنة عُمان على مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.
ولقد بذلت الحكومة والجهات العاملة على تنمية منطقة الدقم الاقتصادية جهودًا كبيرة لتطوير البنية التحتية وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، ما جعلها نقطة اقتصادية واعدة على خريطة السلطنة، ومع ذلك، تظل الحاجة ماسة لزيادة الكثافة السكانية لضمان استدامة هذه الاستثمارات وتحقيق أثرها الاقتصادي والاجتماعي.
ولا شك أنَّ زيادة عدد السكان يساهم في تنشيط القطاعات التجارية والخدمية، ويعزز فرص العمل، ويضمن استقرار التنمية على المدى الطويل، وتشير الدراسات إلى أنَّ رفع الكثافة السكانية في المناطق الاقتصادية يمكن أن يضاعف حجم النشاط التجاري والخدمي خلال سنوات قليلة، ويخلق بيئة أكثر حيوية للابتكار وريادة الأعمال.
ولضمان زيادة الكثافة السكانية في المنطقة الاقتصادية الخاصة في الدقم، هناك مجموعة من الأفكار والمقترحات العملية التي يمكن أن تشجع الباحثين عن عمل والموظفين العاملين بالدقم ورواد الأعمال على الانتقال والاستقرار في المنطقة. من ذلك منح الأراضي السكنية للراغبين بالاستقرار خاصة الموظفين أو تجهيز محلات للتأجير أو منحها لهم لإطلاق مشاريعهم الخاصة، بما يوفر حافزًا مباشرًا للعيش والعمل في المنطقة، كما يمكن دعم أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة من خلال توفير منصات لتسويق منتجاتهم أو منحهم الفرصة لتطوير أفكار مبتكرة يتم اختيارها بعناية، ما يُعزز النشاط الاقتصادي ويضمن استدامة المشاريع.
ويأتي دعم الباحثين عن عمل والخريجين الحاصلين على مؤهلات علمية ضمن أولويات الأمن الاقتصادي في المنطقة، وتوفير برامج تدريبية وفرص وظيفية لهم يتيح لهم الانخراط بكفاءة في سوق العمل، ويضمن استفادة المنطقة من مهاراتهم وقدراتهم، هذه المبادرات تشجع الشباب على المشاركة الفاعلة في التنمية، وتعزز من استقرار المجتمع اقتصاديًا واجتماعيًا، مع فتح آفاق جديدة للابتكار وريادة الأعمال.
ولا يكتمل الأمن الاقتصادي دون بيئة محفزة للاستثمار؛ فوجود تشريعات واضحة، وحوافز مالية ومعنوية للمستثمرين، وضمان حقوق العاملين، يمثل عامل جذب رئيسيًا للاستثمارات المحلية والأجنبية.
إلى جانب ذلك، يمكن دمج عناصر الاستدامة والتقنيات الحديثة في المشاريع، مثل الطاقة المتجددة والخدمات الرقمية، ما يجعل منطقة الدقم الاقتصادية نموذجًا للتنمية الذكية والصديقة للبيئة، ويزيد من جاذبيتها على المستثمرين والمواطنين على حد سواء.
إنَّ الاستثمار في البشر قبل المشاريع الكبرى يمثل استراتيجية ذكية لتعزيز الأمن الاقتصادي. فزيادة الكثافة السكانية، وتوفير بيئة معيشية وعمل محفزة، تخلق قاعدة صلبة لتنفيذ خطط التنمية بكفاءة، وتجعل المنطقة جاهزة لاستقبال الاستثمارات الكبرى وتحقيق أثر اقتصادي ملموس. تجربة مناطق اقتصادية أخرى في السلطنة، مثل صلالة، أثبتت نجاح الحوافز السكنية وفرص المشاريع الصغيرة في جذب الكفاءات ورفع النشاط الاقتصادي، ويمكن أن يكون هذا نموذجًا يُطبّق في الدقم لتحقيق نتائج ملموسة.
ويجب أن يتركز الاهتمام في منطقة الدقم الاقتصادية على التنويع الاقتصادي، مع التركيز على الصناعات القابلة للتصدير والابتكار وريادة الأعمال، للتحول من اقتصاد ريعي إلى إنتاجي مستدام. من أبرز القطاعات الواعدة في المنطقة الصناعة البحرية، حيث تتوفر الموارد الطبيعية مثل الأسماك والسردين، ما يتيح إقامة مصانع متخصصة تعزز الإنتاج والتصدير، وتخلق فرص عمل جديدة للسكان.
وإضافة إلى الصناعة، توفر السياحة فرصًا كبيرة للوظائف والنمو الاقتصادي، من خلال تطوير المرافق السياحية والمواصلات، وتحويل مطار الدقم من مطار محلي إلى مطار دولي مع حملات تسويقية لجذب السياح الأوروبيين وغيرهم الباحثين عن الطبيعة والشمس. هذه الخطوة ستزيد الطلب على خدمات التجزئة والمطاعم والفنادق، ما يعزز النشاط التجاري ويخلق وظائف متنوعة في المنطقة. كما تتيح التطورات العالمية فرصًا للمصانع للانتقال إلى الدقم، مستفيدة من الضرائب المرتفعة في دول مثل الصين والهند، مما يعزز مكانة الدقم كمركز صناعي وتصديري متكامل. دعم الباحثين عن عمل والخريجين ورواد الأعمال من خلال حوافز مثل منح الأراضي، تجهيز المحلات للتأجير أو منحها لتطوير مشاريعهم، يضمن استدامة النشاط الاقتصادي ويحفز الابتكار وريادة الأعمال
في النهاية.. الأمن الاقتصادي ضرورة وطنية لا يمكن تجاهلها، وتوفير الحوافز، وتهيئة بيئة إيجابية للعمانيين، ودعم الباحثين عن عمل ورواد الأعمال، جميعها عناصر أساسية لرفع مستوى التنمية واستقرار المجتمع. وبهذا الشكل تصبح منطقة الدقم الاقتصادية نموذجًا ناجحًا للتنمية المتكاملة، ومثالًا حيًا على قدرة الاقتصاد كركيزة أساسية للأمن الوطني، ودليلًا على نجاح التعاون بين الحكومة والمجتمع في بناء مستقبل مزدهر لسلطنة عُمان.